تاريخ الرياضيات عند المسلمين: مخطوطات رقمية في الهندسة والجبر
الدلو والجدي، الحوت وكوكبة الحوت؛ زكريا القزويني

الرياضيات عند المسلمين

كان العلماء المسلمون من أهمّ من ورث الإرث الهلنستيّ الواسع في العلوم والرّياضيّات. كتابات علماء قدامى مثل إقليدس (283-323 قبل الميلاد) وأرخميدس (212-287 قبل الميلاد) وبطليموس (100-170)، تُرجمت وشُرحت ووسّعت ونُسخت ودُرّست لأجيال. وفيما بعد، وصلت هذه الأعمال بترجماتها وشروحاتها اللاحقة إلى عتبات أوروبا المسيحيّة في العصور الوسطى.

ازدهرت حركة التّرجمة ووصلت أوجها في عهد الخلافة العبّاسيّة الّتي حكمت الإمبارطوريّة الإسلاميّة والعربيّة منذ منتصف القرن الثّامن وحتّى نهاية القرن العاشر. في هذه الحقبة وفي بغداد على وجه الخصوص، تم ترجمة جميع الأعمال اليونانيّة الكلاسيكيّة الموجودة إلى اللّغة العربيّة على يد علماء مسلمين ومسيحيّين. وشكّلت هذه التّرجمات البنية التحتيّة للفكر الإسلامي والمسيحي واليهودي حتّى بدايات العصر الحديث.

إلا أن العلوم الإسلاميّة لم تكن نتيجة لتأثر بثقافة واحدة على الإطلاق، فلم يقتصر تفاعل العلماء المسلمين مع هذه الأعمال على صقل النّظريّات الهلنستيّة وتطويرها، إنّما كان العالم الإسلامي ذو تركيبة أكثر ثراءً. فالنّظريّات والأعمال الّتي وصلت من الهند، ومن بابل ومن إيران، والّتي كانت في حوار فيما بينها وبين العلوم اليونانيّة الّتي ظهرت قبل الإسلام، أثّرت هي بدورها في تطوير علوم وتخصّصات مثل الرّياضيّات وعلم الفلك. ومن الأمثلة الأشهر على هذا التفاعل هو ولادة علم الجبر الهجين الّذي دمج بين الهندسة الإقليديّة وأساليب حلّ المسائل البابليّة.

تحظى علوم الفلك والتّنجيم بمكانة خاصّة من بين العلوم الدّقيقة، إلا أنّها تعتبر اليوم مجالات منفصلة بل ومتناقضة، وقد رآها العديد من العلماء المسلمين كمجالات متوازية. لقد كان التّنجيم العلم التّطبيقي لعلوم الفلك، إذ استخدم المنجّمون الوسائل الحسابيّة الّتي يطوّرها علماء الفلك من أجل التّنبّؤ  بالمستقبل، وقد اختصّ الكثير من العلماء بالمجالين معًا. قام المنجّمون بالتنبؤ بالأيّام الخيّرة لمجالات عديدة من الحياة، كتحديد الموقع الأفضل لإنشاء مدينة جديدة، أو تحديد الموعد الأنسب لشنّ معركة ما. إلّا أنّ الموقف من التّنجيم في الإسلام بقي ضبابيّ وغامض، إن كان من حيث تضاربه مع مبادئ الدّين أو من حيث التّصديق بقدرته كأداة على التّنبؤ بالمستقبل. ومثال على ذلك قصّة فخر الدّين الرّازي فيلسوف القرن الثّالث عشر، والّذي اختلف مع المنجّمين حول الموعد المناسب لمهاجمة الأعداء، وكان رأي الرّازي أنه يجب بدء المعركة دون تأجيل على الإطلاق، وهو الرّأي الّذي أُخذ به وتكللت المعركة بالانتصار. للمزيد حول الرياضيات لدى المسلمين، اضغطوا هنا.